responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 458
[41]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ.
شُرُوعٌ فِي دَعْوَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهَدْيِ الْقُرْآنِ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ خِطَابِهِمْ وَلَكِنْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا يهيىء نُفُوسَهُمْ إِلَى قَبُولِهِ كَمَا تَتَقَدَّمُ الْمُقَدِّمَةُ عَلَى الْغَرَضِ، وَالتَّخْلِيَةُ عَلَى التَّحْلِيَةِ.
وَالْإِيمَانُ بِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوْ بِكُتُبِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَمِلَهُ الْعَهْدُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي [الْبَقَرَة: 40] إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ هُنَا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لِأَنَّهُمْ عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَلٌ فِي الْعَهْدِ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِمَّا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ بَلْ حَتَّى يُصَدِّقُوا بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَائِيَ بِهِ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ فَهُمْ مَدْعُوُّونَ إِلَى ذَلِكَ التَّصْدِيقِ هُنَا. فَعَطْفُ قَوْلِهِ: وَآمِنُوا عَلَى قَوْلِهِ: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [الْبَقَرَة: 40] كَعَطْفِ الْمَقْصِدِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، وَعَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي مِنْ قَبِيلِ عَطفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي الْمَعْنَى وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي عَطْفِ الْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ لَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا تَقْرِيبَ مَوْقِعِ الْجُمْلَةِ وَتَوْجِيهَ إِيرَادَهَا مَوْصُولَةً غَيْرَ مَفْصُولَةٍ.
وَفِي تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ وَهُوَ (مَا أُنْزِلَتْ) دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ نَحْوَ الْكِتَابِ أَوِ الْقُرْآنِ أَوْ هَذَا الْكِتَابِ إِيمَاءً إِلَى تَعْلِيلِ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ وَهُمْ قَدْ أَوْصَوْا بِالْإِيمَانِ بِكُلِّ كِتَابٍ يَثْبُتُ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ. وَلِهَذَا أَتَى بِالْحَالِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الصِّلَةِ إِذْ جَعَلَ كَوْنَهُ مُصَدِّقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَهِيَ الْعَلَامَةُ الدِّينِيَّةُ الْمُنَاسِبَةُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَمَا جَعَلَ الْإِعْجَازَ اللَّفْظِيَّ عَلَامَةً عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: الم ذلِكَ الْكِتابُ [الْبَقَرَة: 1، 2] إِلَى قَوْلِهِ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [الْبَقَرَة: 23] كَذَلِكَ جَعَلَ الْإِعْجَازَ الْمَعْنَوِيَّ وَهُوَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْهُدَى الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَّامَةً عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لِأَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ بِالشَّرَائِعِ. ثُمَّ الْإِيمَانُ بِالْقُرْآنِ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِالَّذِي جَاءَ بِهِ وَبِالَّذِي أَنْزَلَهُ.
وَالْمُرَادُ بِمَا مَعَهُمْ كُتُبُ التَّوْرَاةِ الْأَرْبَعَةُ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 458
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست